عندما ارتدى ( نادر ) بدلة الظابط التى احضرها له والده فى العيد بناءا على طلبه ــ كعادة معظم افراد الطبقه المتوسطه ــ و وقف امام المرآه يتأمل هيئته استقر فى يقينه انه خلق ليكون ضابط شرطه .... ليس ضابطا عاديا بل ضابطا مهما بأعلى رتبه فى جهاز الشرطه
كان ( نادر ) ابن العاشره لم ينسى بعد ذكرى زيارته بصحبة ابيه لأحد معارف صديق الأب لطلب وساطه لتسهيل استخراج بطاقة التموين و كان هذا الرجل المعرفه يعمل بالشرطه ... لم ينسى اهتمام والده المبالغ فيه بملابسه و هندامه .. لم ينسى حفاظ والده على كارت التوصيه لدرجة تخيل معها نادر انهم هما الاثنان اللذان حضرا بصحبة الكارت و ليس العكس ... لم ينسى احساس والده بالضآله امام هيبة و فخامة حضرة الضاط ... لم ينسى العسكرى البسيط الذى فتح لهم الباب بحجمه الضئيل و نظرة عينه المنكسره امام مرؤوسه ..... و الأهم من كل ذلك لم ينسى اللقب الذى كان الجميع ينادى به حضرة الضابط ..... الــبـــــاشــــا
تمت هذه الزياره و (نادر ) فى السادسه من عمره اى منذ اربع سنوات .... اربع سنوات بأيامهم و اسابيعهم و شهورهم ... بلياليهم و نهاراتهم و ( نادر ) لم ينس حرف او كلمه او لفته او هفوه من أحداث الزياره ... وقع ( نادر ) فى حب البذله و الكاب و الهيبه و الجاه السلطه و السلطان و تمنى ان يكون هو ....... الــبــــاشــــا
و اليوم و بعد ان ارتدى البدله الموعوده تأكد له بما لا يدع مجالا للشك انه وُلد ليكون باشا و انه هو الباشا القادم و كما هى لغة المحاضر الرسميه ف بناءاً على ما تقدم عاش ( نادر ) سمت و شخصية الباشا بل و فرض هذه الشخصيه على كل المحيطين به بدءا من والديه و مرورا بأقاربه و انتهاءاً بالأصدقاء و الجيران
مرت سنوات الدراسه بخيرها و شرها و جاءت الثانويه العامه و ظهرت النتيجه و كان طبيعيا ان يتقدم بأوراقه لكلية الشرطه و كان طبيعيا ايضا ان يجتاز كل الاختبارات بنجاح فقد عاش طول عمره يتهيأ و يُجهز نفسه لهذا اليوم .... و يوم ارتدى بذلة الكليه كان يوما مشهودا فى بيته ..... عاش احلى ايامه فى الكليه حيث الظبط و الربط كما ينبغى مواد الدراسه لا تحتاج الى ذكاء نادر فهى بالنسبة له مجرد تدريب على اساليب مختلفه لإستخلاص المراد من المتهمين و مواد القانون تُدرس ليتم التحايل عليها و ليس ليتم الالتزام بها .... لم يكن ( نادر ) ينتظر الاجازه بفارغ الصبر مثل كل زملاؤه فالخروج بالنسبة له هو خروج لعالم غير منضبط و غير مهيأ تماما للتعامل مع .... الــبــــاشــــــا
على أى حال تخرج ( نادر ) و تسلم عمله و التزم بواجبات وظيفته لأقصى درجه من الانضباط و الحزم و العبوس و الصرامه و اشتهر بين اقرانه بقدرته الفائقه على انتزاع الاعترافات من المتهمين و طبعا كانت قوة صفعاته على اوجه المتهمين تتناسب طرديا مع سرعتهم فى الاعتراف و كان يؤمن بنظرية المؤامره من قمة رأسه الى أخمص قدميه فكان كل من يدخل القسم مُدانا و مُتهما فى نظره حتى لو كان آتيا للشهاده و لم لا اليس هو ...... الــبــــاشــــا
صدرت حركة التنقلات و مع انها جاءت مُخيبه لآماله حيث تم نقله لقسم الجوازات بالمطار رغم انه كان مُتوقعا ان يتم نقله ل جهاز امن الدوله و مع ذلك فقد اقبل على العمل بنفس الجديه و الانضباط و العبوس و الصرامه و اصبح يتعامل مع كل مسافر يقدم له جواز سفره ليختمه كأنه مسجون يخطط للهروب من السجن
و من جوازات المطار الى المرور و هنا تنفس الباشا الصعداء فقد وجد نفسه حقا و صدقا و للامانه فإن سائقى مصر محترفين او هواه بطريقتهم العجيبه فى القياده يحققون ذات و سيادة اى باشا تتحكم فيه عقدة النقص ف يكفيه فقط بند المخالفات و فى هذا البند حدث و لا حرج لدرجة ان الباشا فكر ان يتنازل عن مرتبه للداخليه مقابل ان يعطوه نسبه من المخالفات التى يحررها ف بحسبه بسيطه وجد انه سيصبح مليونيرا فى غضون سنه من حصيلة مخالفات كوبرى اكتوبر فقط
الباشا لم ير ابدا انه يستغل وظيفته فالشقه و العربيه بالتقسيط المريح جدا جدا من مقتضيات الوظيفه...... و الخضار و الفاكهه بأقل أقل الاسعار ليس سحتا لا سمح الله بل هو التزام من الباعه بالتسعيره ....... ترخيص عربيه مقابل موبايل هو محض ذوق و تحضر من صاحب العربيه ....... استرداد رخصة قياده مقابل واسطه او خدمه هو شئ متعارف عليه و ليس به أذى
الباشا قرر ان يتزوج و بعد رحلة بحث طويله جرب فيها ان يفحص بنفسه رُخَص كل سائقة حسناء و جرب ان يتبع نصائح والدته و يتزوج زواج صالونات و هكذا الى ان جاء النصيب مع فتاه وديعه لطيفه لم يوافق عليها الباشا الا بعد ان اطمأن انها ستكون افضل مرؤوسه له و بالطبع قام اثناء فترة الخطوبه بتدريبها على السمع و الطاعه و تنفيذ الاوامر و لم يتمم الزواج الا بعد ان اطمأن انها اصبحت تحت يده مثل احد افراد الامن المركزى ... سمع و طاعه و دقه فى التنفيذ و الغاء تام للعقل
الباشا استقر فى ادارة المرور و مع طول المده و مع صعوده المستمر بالترقيات زاد عدد معارفه و اصبحت تربطه صداقه بمعظم تجار السيارات و اصحاب مكاتب التأجير و مع زيادة العشم و الخدمات المتبادله اصبح من الطبيعى ان يُعرض عليه الشراكه فى هذه التجاره من اكثر من فرد و مع الالحاح وافق اخيرا على مشاركة احد التجار يمتلك معرضا و مؤسسه كبيره لتجارة السيارات
ضحكت الايام للباشا و زاد دخله من التجاره و لكن الشرطى بداخله لم يتأثر بل ازداد شغفه و عشقه للسلطه و اصبح يترقب حركة الترقيات كل عام و يمنى نفسه بالرتبه القادمه و رمزها سواء نجمه زياده او سيف مذهب يتيه به زهوا
و بعد انتظار جاء موعد ترقية دفعته .... جاء يحمل مفاجأه غير مُتَوَقعه فقد احيل الباشا للتقاعد هكذا دون مقدمات ....اهتز الباشا لوهله و لكنه و بروح الجندى بداخله اظهر تماسكا و قام بإعادة حساباته و لملم شتات نفسه و ذهب لشريكه رجل الاعمال و بعد فترة انتظار طويله نسبيا سُمح له بالدخول ... استقبله شريكه استقبالا جافا لا يليق بالباشا و كان حادا و قاطعا و جاهزا بالرد على اسئله لم يسمح لشريكه بطرحها .... افهمه فى كلمات قليله انه ليس له اى حسابات طرفه و ان ما كان يدفعه له كان محض مجامله و اكراميه مقابل خدمات عده كان يقدمها الباشا بحكم موقعه فى ادارة المرور
نظر الباشا فى اسف للارض و شعر انه يغرق فى بحر عميق و لكن جاءه صوت رجل الاعمال ك طوق نجاه عندما عرض عليه وظيفة مدير امن لمؤسسته الضخمه .... انتفض الباشا و لم يستطع اخفاء فرحته بالوظيفه الجديده
و من يومها و مع كل ترقيه لزملاء دفعته كان الباشا يعطى نفسه نفس الترقيه و هو الآن مدير أمن تماما كحلمه القديم مع تغير بسيط جدا ف زملاؤه تم توزيعهم على المحافظات ك مدراء للامن أما هو ف هو ...... مدير امن المؤسسه
جميلة ورائعة في الاسلوب كالعادة يا اش اش
ReplyDeleteولكن النهاية للاسف غير متماشية مع واقعنا فالباشا في زماننا هذا وبمنطق هذه الايام بتلك التصرفات لن يحال الى التقاعد بل من الممكن ان يكون مساعدا لوزير الداخلية
بس انت مش شايف يا احمد انها ظاهره منتشره فى مجتمعنا ان اى ظابط بيخرج من الخدمه لأى سبب بيفضل محتفظ بترقياته زى زملاؤه و اى وكيل نيابه بيخرج من الخدمه برضه لأى سبب و يشتغل فى المحاماه بياخد لقب مستشار ... انا بس حبيت ارصد الحكايه دى لكن طبعا معاك حق هو بالسلوك ده كان لازم بترقى :)
ReplyDelete